إنه : أبو اليزيد البسطامي .
واليكم القصة كما ذكرتها كتب التاريخ مع بعض التنقيحات : -
توضأ شيخنا أبا اليزيد وصلى العشاء ثم نام , فلما انتصف الليل رأى في المنام رؤيا , سمع فيها مناديا ينادي , يا أبا اليزيد , يا أبا اليزيد , يا أبا اليزيد قم واذهب إلى دير النصارى ـ مكان عبادة النصارى ـ وانظر ما الله فاعل , فخاف أبا اليزيد ثم نام , فعاد المنادي مرة ثانية , فناداه بنفس ما ناداه في المرة الأولى , وهنا تجلت عظمة الإسلام , وقوة العقيدة الراسخة في القلوب , فقام أبا اليزيد توضأ وصلى ركعتين , ثم خرج من بيته متوجها إلى دير النصارى , وكان ذلك في العراق . فدخل أبا اليزيد وجلس في زاوية من زوايا الدير , فلما دخل الجميع وأكتمل النصاب , دخل البابا وأغلق الباب , ووقف أمام الجميع خطيبا فيهم , لكنه لم يتكلم كلمة واحدة, فسألوه ما بك أيها البابا , قال لن أتكلم وبيننا رجل محمدي حتى تخرجوه , فقالوا كيف عرفت أنه محمدي ؟ قال : إن أصحاب محمد سيماهم في وجوههم من أثر السجود , فأشار إليه فأخرجوه , ثم وقف بين يدي البابا قائلا : إنني ما جئت إلى هنا إلا بأمر ربي ولن أخرج حتى يحكم الله بيني وبينكم , قال البابا : إني سائلك أسئلة إن أجبت عليها تركناك تخرج , وإن لم تجب على واحد منها أخرجناك من بيننا قتيلا , فقال أبا اليزيد اسأل , فسأل البابا قائلا :
من هو الواحد الذي لا ثاني له ؟
ما هما الاثنان اللذان لا ثالث لهما ؟
وما هم الثلاثة الذين لا رابع لهم ؟
وما هم الأربعة الذين لا خامس لهم ؟
وما هم الخمسة الذين لا سادس لهم ؟
وما هم الستة الذين لا سابع لهم ؟
وما هم السبعة الذين لا ثامن لهم ؟
وما هم الثمانية الذين لا تاسع لهم ؟
وما هم التسعة الذين لا عاشر لهم ؟
وما هي العشرة التي تقبل الزيادة ؟
ومن هم الأحد عشر أخا ؟
وما هي الشجرة المكونة من اثنا عشر غصنا , في كل غصن ثلاثين ثمرة , على كل ثمرة خمس ورقات , ثلاثة في الظل واثنتان في الشمس ؟
ومن هي الأسرة المكونة من ثلاثة عشر شخصا ؟
وما هي الأربعة عشر شيئا التي كلمت الله ؟
وما هو الشيء الذي خلقه الله وأستعظمه ؟ وما هو الشيء الذي خلقه الله وأستنكره؟
وما هو القبر الذي مشى بصاحبه ؟
وما هي الحاملات وقرا ؟ وما هي الجاريات يسرا ؟ وما هي المقسمات أمرا ؟
وبهذا السؤال أنهى البابا كلامه قائلا : أجب يا أبا اليزيد000000 أجب يا أبا اليزيد ؟؟؟؟؟؟؟ .
فتقدم أبا اليزيد أمام البابا قائلا : ـ
أما الواحد الذي لا ثاني له ( فهو الله الذي لا إله إلا هو الواحد الأحد ) .
وأما الاثنان اللذان لا ثالث لهما ( الليل والنهار , وجعلنا الليل والنهار آيتين ) .
وأما الثلاثة الذين لا رابع لهم ( أعذار موسى مع الخضر, خرق السفينة , أقام الجدار,قتل الغلام)
وأما الأربعة الذين لا خامس لهم ( التوراة والإنجيل والزبور والقرآن ) .
وأما الخمسة الذين لا سادس لهم ( خمس صلوات في اليوم والليلة ) .
وأما الستة الذين لا سابع لهم ( فقال الله ولقد خلقنا السموات والأرض في ستة أيام ) .
وقال الله في نهاية هذه الآية ( وما مسنا من لغوب ) فقال البابا ما معنى لغوب ؟ فأجاب أبا اليزيد أي ما مسنا من تعب , لأن اليهود قالوا أن الله خلق الدنيا في ستة أيام وتعب فاستراح في اليوم السابع ـ عدد أيام الأسبوع حسب زعمهم ـ فرد الله عليهم بهذه الآية .
وأما السبعة الذين لا ثامن لهم ( سبع سموات وسبع أراضين , ولقد خلقنا سبع سموات ومن الأرض مثلهن ) .
وأما الثمانية الذين لا تاسع لهم ( حملة العرش , ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ).
وأما التسعة الذين لا عاشر لهم ( آيات سيدنا موسى . ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) فقال البابا أذكرها فذكرها أبا اليزيد قائلا : ( اليد والعصا ونقص الثمرات و الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع والسنين و الدم )
وأما العشرة التي تقبل الزيادة ( فإن الحسنه بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء ) .
وأما الأحد عشر أخا (فهم أخوة يوسف عليه السلام ) .
وأما الشجرة المكونة من اثنا عشر غصنا فهي ( السنة مكونة من اثنا عشر شهرا ) ,
في كل غصن ثلاثين ثمرة ( أي في كل شهر ثلاثين يوما ) ,
على كل ثمرة خمس ورقات ( أي في كل يوم خمس صلوات ) ,
ثلاثة في الظل ( أي الفجر والمغرب والعشاء ) , واثنتان في الشمس ( أي الظهر والعصر ) .
وأما الأسرة المكونة من ثلاثة عشر شخصا فهم ( يوسف وأخوته وأبيه وأمه ) .
وأما الأربعة عشر شيئا التي كلمت الله فهم ( سبع سموات وسبع أراضين , وإذ قلنا للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) .
وأما الشيء الذي خلقه الله وأستعظمه فهو (كيد النساء , حيث قال الله تعالى إن كيدكن عظيم ) ,
وأما الشيء الذي خلقه الله وأستنكره فهو ( صوت الحمير , حيث قال الله تعالى إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) .
وأما القبر الذي مشى بصاحبه فهو ( الحوت الذي ابتلع سيدنا يونس عليه السلام فمشى به ) .
وأما الحاملات وقرا فهي ( السحب التي تحمل الأمطار ) , والجاريات يسرا هي ( الفلك ـ السفن ـ التي تجري في البحر ) , والمقسمات أمرا هم ( الملائكة الموكلون بتوزيع وتقسيم الأرزاق على الخلائق بأمر الله ) .
بهذا أتم أبا اليزيد كلامه قائلا : وأنا أيها البابا سائلك سؤالا واحدا فقط فهل أنت مجيب , قال : اسأل , فقال أبا اليزيد : ما هو مفتاح الجنة ؟ فسكت البابا ولم يستطع الإجابة , فضج من في الدير جميعا قائلين : لقد سألته كل هذه الأسئلة فأجاب , وسألك سؤالا واحدا فلم تستطيع الإجابة ! ؟ فقال لهم : إني والله أعرف الإجابة , لكنني أخشى منكم ! فقالوا : أجب ونحن معك ولا تخاف , فقال : إن مفتاح الجنة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) . فقالوا جميعا : (لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وقاموا فحولوا الدير إلى مسجد وأقاموا فيه الصلاة , فهنيئا لك بهذا الفوز يا أبا اليزيد , أنها عظمة الإسلام وقوته , وسعة صدر المسلمين وقوة إيمانهم , فإني أسأل الله أن يمكن للمسلمين في الأرض كما مكن لهم من قبل , وأن يهلك الظالمين بظلمهم وطغيانهم على الناس إنه ولي ذلك والقادرعليه , وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه , وإلى لقاء آخر قريب إن شاء الله , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته